04‏/08‏/2011

الشورى في الاسلام

الشورى فى الإسلام :
ليس من شك أبداً فى أن الإسلام دين ودولة ، ومهما حاول بعض المتطرفين فى أفكارهم التى قد تأثرت بمذاهب تسعى إلى هدم الإسلام باعتباره الخط الدفاعى الأول ضد الاستعمار ، أقول مهما حاول هؤلاء – عن قصد حيناً أو غفلة حيناً آخر – أن يقللوا من شأن الإسلام فى بناء الدولة ، فإن ذلك لا يغير من طبيعة الأمر الواقع شيئاً ، فالذى لا شك فيه أن أسمى وسيلة لحكم الرعية كان الإسلام أول محتضن لها ومبشراً بها ، ونعنى بها الشورى ، ولعل الإسلام هو الدين الوحيد الذى دعا إلى الشورى فى الحكم ، وهو بها يفرض نفسه – فى جدارة وعدل – على نظام الدولة وطريقة الحكم فيها ، جاء ذلك فى كتاب الله فى أكثر من موضع فى قوله تعالى :
( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) الشورى : آية 38
( وَ شَاوِرْهُمْ فىِ اٌلْأَمْرِ ) آل عمران : آية 159
فهذه الديمقراطيات المعاصرة جميعاً ، والتى تتغنى الشعوب بها وتمجدها وتحارب فى سبيلها ، قد سبقها الإسلام قبل اليوم بأربعة عشر قرناً من الزمان ، ولذلك فإن نظام الحكم فى الإسلام يقوم على البيعة ، وإن الخلافة لا تكون صحيحة إلا إذا كانت نتيجة لبيعة حرة .
والخليفة برغم أنه بحكم مركزه يعتبر الحاكم الأعلى للمسلمين ، فإنه لا يظلم ولا يستبد ، ولكن عليه أن يستشير عقلاء الأمة وفقهاءها وينزل على حكمهم ، ثم هو بعد ذلك يعتبر نفسه خادماً للناس لا سيداً على الناس ، فهذا أبو بكر الصديق الخليفة الأول يقول فور مبايعته موجهاً خطابه إلى المسلمين : (( أيها الناس : قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن رأيتمونى على حق فأعينونى . وإن رأيتمونى على باطل فسددونى ، أطيعونى ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم )) وفى مقام آخر يقول : (( إنما أنا متبع ولست بمبتدع ، فإن استقمت فتابعونى ، وإن زغت فقومونى ))
هذا كلام جميل وتشريع جليل ، ومنتهى ما يصبو إليه الإنسان فى توخى الديمقراطية فى الحاكم العادل الذى يدعو الناس إلى اتباعه ما كان الحق رائده ، فإن انحرف طلب إليهم أن ينصرفوا عنه .
ولم يكن أبو بكر وحده صاحب مثل هذا القول ، فكذلك كان عمر الخليفة الثانى ، نعم كان عمر كذلك ، لان شريعة الإسلام تقتضى ذلك ، فما كاد يلى أمر المسلمين بعد أبى بكر حتى خطب الناس قائلا : (( أيها الناس إن رأيتم فَّىِ اعوجاجاً فقومونىِ )) ، فنهض رجل من عامة المسلمين قائلا له : (( والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا )) ، فى يغضب عمر ، ولا يرى فى هذا القول الجاف ما يخدشه أو يجرحه كخليفة للمسلمين ، بل يتقبل القول راضياً قرير العين قائلا : (( الحمد لله الذى جعل من أمة محمد من يُقَوِّم أمير المؤمنين بسيفه )) .
ولما كانت الشورى تقتضى أن يختار المسلمين حكامهم ، فقد أصبح الخليفة يحكم طول حياته ، مع حق المسلمين فى عزله أو خلعه ، فإذا مات تجمع المسلمون لانتخاب غيره ، وظل الأمر كذلك فى الخلفاء الراشدين : أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ، حتى جاء معاوية بن أبى سفيان وخرج على نظام الشورى فى الإسلام ، وجعل الأمر وراثياًّ فى أبنائه من بعده.
هكذا كان الاسلام دين الشورى ، وكان الخلفاء يستعينون بالعقلاء فى حل ما يستعصى من الامور ، وكان الخليفة إذا أخطأ لا يجد غضاضة فى أن يعترف بخطئه ويتبع الصواب ، وليس هناك أدل على ذلك من قولة عمر المشهورة : (( أخطأ عمر وأصابت امرأة )) .


منقول من كتاب " إسلام بلا مذاهب " 1960 م للدكتور مصطفى الشكعة من سلسلة الفكر الطبعة الثانية مكتبة الأسرة
ص 54 : 56